كلنا نشتاق الى الأمان في الحياة وإلى عيش الإيمان الحقيقي والأمانة ... الإنسان يحب الإنبساط والشوق إلى الحق و التوق الى الحرية و التمتع بما خلق الرحمن من مبهجات للنفوس وإلى التنفس مع الطبيعة وأهلها وأبراجها وكواكبها وأسرارها...
نحن أفراد مع جماعة ...
أنظر إلى ألوف المصلين هل ترى الوجوه؟ أم جماعة في وجه واحد؟
من هو الغني؟
من هو الفقير؟
من هو الأمير؟
إن الضمير واحد يسير من قلب إلى قلب... تتوحد النوايا وتموت الخطايا... ولكن عندما نعود إلى البيت ونشعر بالوحدة وبالخوف ماذا نفعل؟
إعقلها وتوكّل... الإنسان كائن فردي متحد بالأكوان وبالمكوّن ... ولكن العيش مع الجماعة أتقى وأقوى ... ان كان في الجماعة تقوى
كلما كان ضمير الإنسان واسعاً وعلى علاقة سليمة مع الآخرين كانت رحمة الله أوسع...
وحتى لو كانت الظلمة على الأرض... أيضا ً رحمة الله أوسع لحماية المخلوق او لتوعية الظالم ...
وهكذا في بداية الكون كانت الصلاة مع الجماعة... الآن أصبحت الأنا هي الفردية وهي الأضعف ولكن مع الجماعة أقوى وأرحم... ومع الجماعة نستطيع أن نذوب بالله ونستسلم ونموت بالمحيط...
لذلك نرى بيوت العبادة منذ آدم وحواء والحج والصيام والصلاة مع الجماعة لأنها تخلق طاقة وواحة من نور ومن العلاقة الكونية لخدمة وحماية الكائن... إن بيوت الرحمن هي أهم من بيوت الضيف ولكن اليوم إنعكست الحقيقة والمعابد عامرة بالبنيان وخالية من الإيمان...
كانت العبادة في وقت يتناسب ويتناغم مع الطبيعة وكانت في شكل دوري حول السنة ومع الفصول واحترام جميع الطقوس... كانت الرياح الموسمية علامة للصلاة وكل موسم للوصول مع كل فصل...
المرأة متصلة بالقمر وبالمد والجزر والرجل بالشمس وبالكواكب والمجرات الخاصة بالطبيعة الذكرية...
كانت الأرض والسماء هي الأم والأب... هي الفرش والعرش...
كان الإنسان خادم الله وكانت الأرض هي الأم وهي الكفن... كانت المناسبات على مدار السنة ينتظرها ويفرح بها... وأرسل الله لنا الحكماء والعلماء والأنبياء ليذكرنا ويزكّينا...
وماذا حلّ بنا؟
هذا هو يوم الإمتحان ... لكل محنة منحة ... والتاريخ يعيد نفسه لأن الإنسان يعيد نفسه ولكن صفوة الصفوة من البشر هم من أهل الذّكر وأهل الخير لا من أهل الجهل وأهل الشر... و حينما نقول الصفوة من البشر لا نقصد شيخ مفسر و لا راهب مبشر و لا من طالت لحيته و خف عقله ..
من زمان وزمان كان العيد بركة ونعمة على كل إنسان... كانو ينتظرون المناسبة لأنها من كرم الله وسيقدم لهم الشفاء والعطاء ويجتمعون في بيوت الرحمن ويعودون إلى بيوتهم حاملين الهدايا الروحية وكرم الأرض ومواسمها ولكن اليوم لا جماعة ولا إيمان...
نتحدث بكلمة " أنا " ونقول نجّنا من كلمة أنا ولكن نعيشها ونتصرف بها, أما قديماً كانو يقولون الكلمة من قلوبهم لا من جيوبهم وأفكارهم... كانت أنا نحن وأما اليوم نحن أنا... لقد سجل التاريخ حادثة في جزيرة قرب سنغافورة ... حيث هاجم الغرب أهل الجزيرة وحاولو إغتصاب الأرض وأهلها... فقابلهم رئيس القبيلة وهددهم قائلاً... " نحن لا نملك أسلحة بل نملك حق العيش هنا وحق الموت وبإشارة مني سنموت بأمر من الله ولن نستسلم أو نسلم الأرض وستكون لعنة عليكم حتى الأبد" ...
ضحك أهل العلم من هذا البدوي ولم يصدقوا كلامه وحاولو إغتصاب الجزيرة وأهلها, فأمر بالإستسلام الى الموت ومات الخادم أولاً... رئيس القبيلة هو خادمها وهكذا ماتو الواحد تلو الآخر حتى وقع خمسمائة رجل دون أية قطعة سلاح... ماتو بالنوايا...
لم يصدق الغربي أنهم ماتو وما إن تأكدوا حتى هربوا إلى ديارهم وسجل التاريخ هذه الحادثة... إن ضمير الوعي الموحد هو شخص واحد... نفس واحدة إذا آذيت نفساً كأنك آذيت كل نفس ولإن أحييت نفساً كأنك أحييت الناس جميعاً...
بعض الحيوانات تموت هكذا... يموت أحد الخرفان وترى الخروف يتبع الآخر... الحيوانات تعيش فكرة نحن, ترى وكأنهم جسد واحد... هذه الحقيقة نعيشها في الجماعة... حيث لا خوف ولا جوع ولا موت ولا حرب... لا يعرف عيش الحياة إلا الحي مع أهل الحي... هكذا عاش أهل الله أيام زمان... أيام الصدق والأمان وقلّة منهم في بلاد الغرب والشرق ونادرا منهم في بلاد العرب... بل لا يوجد ببلاد العرب ..
لا سلام إلا مع جماعة أهل السلام... الجماعة تفكر بالجماعة والأفراد يفكرون بأنفسهم ويحملون مسدساً لقتل غيرهم من الغيرة والحسد والحقد خوفا على مصالحهم والأنانية التي لا نية فيها إلا الأنا والإناء الخالي من الحق والبقاء في الفناء... إن حياة الجماعة لا ذنب فيها ولا عيب ولا خطيئة...
عندما لمس السيد المسيح رأس المرأة وقال لها مغفورة لك خطاياك ... ماذا فعل؟
لقد مسح لها من الذاكرة الخوف وعقدة الذنب وأعاد إليها حقيقة وجودها وإن الله غفور رحيم... ولا تسقط شعرة من رؤوسنا إلا بإذن من الله وما على الإنسان إلا الخيار بين الشر والخير... نحصد كما نزرع... هذا ما يفعله الهندي عندما يستحم في نهر الغانج, أن يغسل ذنوبه... والمسلم يغسل ذنوبه في مياه زمزم وزيارة الحج والعمرة والشريعة وكذلك اليهودي والبوذي وكل كائن له طريقته التي تخلصه من الذنوب... الغفار هو الله وأهل الجماعة يعيشون كنفس واحدة ويعلمون بأن الله ينظر إلينا كإنسان واحد... هذا هو التوحيد ولكن إنسان اليوم هو فرد وعن الحقيقة بعيد...
إن ما يعذّبنا هو ضميرنا الذي يحمل الذكريات... نشعر وكأنها صخرة على صدورنا...
ما العمل؟
تأمّل... تأمّل وسترى درب الحب من القلب إلى نفسي أولاً إلى العالم... كل عمل أعمله هو من الله عبر يدي أو عيني ... الله يكتب من خلالي ويقرأ من خلالك وكلنا جسد واحد بأمر من الله... مسيرتنا هي من قدَر الله الى قدر الله... يقول الحق افلا يبصرون ..
إن موسى أو المسيح او محمد لا يغفر لك الذنوب ولكن يمسح الذاكرة من الذكريات والله هو الغفار ... فمن كان يعبد محمد فان محمد قد مات و من يعبد الله فان الله حي لا يموت .. الهنود اتصلوا بالمياه واعتقدوا أنها مقدسة لأنها حيّة وأبدية أكثر من الإنسان وتطهرنا من الذنوب ومن الذكريات وكذلك الوضوء والمعمودية عند النصارى والمطر عند كثير من القبائل والدعاء تحت المطر والماء هي حسنة جارية وما على المخلوق إلا الإستسلام إلى الخالق وأن نعيد الخطيئة نفسها بل نتعلم من الألم...
إن قمة الجريمة هي خيالها التي في ذاكرتنا وتلاحقنا كالطيف ونهرب من هذا الذنب ونعترف بها لرجال الدين أو للعلماء ولكن لا تزول من القلب...
الحل الوحيد هو في يد إنسان ... هو الإيمان بأننا جميعاً خليفة الله... والله أقرب إلينا من حبل الوريد...
لماذا نذهب الى البعيد؟؟؟
إستمع الى قلبك... تأمّل ... تذكر .. تبصر .. اعلم و تعلم .. وسترى درب الغفّار قي القلب... الإيمان هو الخلاص...
"إيمانُكِ خَلّصَكِ " ...
أين هو إيماني؟
في المال؟ في السلطة؟
في الحرب؟
في الجمال الخارجي؟
لنبحث عن الحقيقة القريبة الباقية للأبد وأبعد من حدود الجسد...
إن مقامات وأماكن الحج هي نهر من الوعي ومن الضمير الحي... نذهب لنحرر أنفسنا من الخطايا ومن الذنوب......
ولكن كيف ننجح ؟
ما هذا الضجيج؟؟
أين الإيمان والثقة؟ " إن السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول "
ما معنى هذا القول ؟
وكل من عليها فان ولا يبقى إلا الله... هذا ما قاله سيدنا محمد ... أي أن كل ما تراه العين يموت ولكن البصيرة لا تموت ولا تزول... إن أماكن الحج نزورها بالبصيرة لا بالبصر وبالنظر بالفكر ...
إن"كبير" وهو أحد كبار العارفين بالله ألقى خطبة في أحد ممرات أماكن الحج الهندوسية ولا يزال صدى صوته وصمته وصدقه يشعر بها الحجاج حتى اليوم... الصوت الصادق خالد للأبد, هذا ما أكده رائد الفضاء عندما سمع الأذان على القمر... علم اليوم يكشف لنا بعض الأسرار ولكن على الإنسان أن يعرف ويعترف ويسلك درب القلب وطرق العارفين بالله ونعيش مع الجماعة التي هي أهل الله... نحن اليوم نحج إلى السوق ومع أهل السوء ونلتهي بالتكاثر والعيش مع أهل المقابر... أن نذهب إلى لندن شيء وإلى الحج شيىء آخر...
الأماكن المقدسة لها طبقات من الأسرار وأنت سر هذه الأسرار... ولكننا نترك الأخيار ونتبع الأشرار...
أشارككم ببعض أسرار قوة الأماكن المقدسة... عندما تجلس للتأمل وحدك تشعر برهية أو بوجود طيف معك ولكن مع الجماعة في المكان المقدس والمكرس تشعر بعدم وجودك ولا وجود الا الفناء...
بعض علماء الديانات يؤكدون بأن الحياة موجودة على القمر ولكنها في مستوى أبعد من تفكير البشر...
العارفون بالله يعرفون أسرار العالم وحياة العالَم الأكبر في قلوب الصالحين والمؤمنين... إن الأسرار لا يعرفها عامة الناس بل نخبة من الأمناء على الأمانة...
تصوّر أن أحد أهل البدو أتى لزيارتك ورأى الكهرباء... كبست زرّاً وأشعلت النور والراديو والتلفزيون والمروحة... من حقّه أن يفكر بالسحر... أنت ساحر مشعوذ...
إنه يعيش في البادية حيث لا يرى هذه الألغاز والألغام الوهمية... تصّور لو هذا الزائر قام بكبس الزر وكانت الكهرباء مقطوعة ولم تشعل النور سيتأكد بأنك ساحر أو أنه أخطأ في كبس الزر أو خطوة اليمين قبل اليسار... استخدم الإصبع الخطأ أو كان عليه أن يقول كلمة السر... هذا ما يفعله رجال الدين في الطقوس الخارجية, أما الأساس يكون في الإحساس المقدس... هذه كلمات عشوائية صبيانية إلا إذا كنت صادرة من قلب مؤمن... المؤمن يتحدث بلغة الصمت مع الصامت الأكبر... الإيمان لا لغة له... إن لم تعودوا كالأطفال ... البراءة والحكمة الفطرية...
منذ حوالي مئة عام اخترع العالم الفرنسي آلة الفونوغراف... ولما سمع الرئيس أسطوانة تتكلم تعجب من هذا الإختراع وإتهمه بالسحر والشعوذة ومحاربة الدين وحبسوه...
هذا هو جهلنا من مواجهة العلم الساكن في سكينة كل كائن... إن جميع الحضارات تعيش بالإعتقاد وبالوهم ولا يعلم بالأسرار إلا القليل من أهل الإيمان بالله...
مفايح الحقيقة لا تعطى إلا لأصحابها... لأهل الصحوة والبقاء... هؤلاء أصحاب المفاتيح ويعلمون أسرار العلم ويكون العالم والعارف هو صاحب السر الذي يعطيه لمن بعده... إن جميع مقامات الحج لها أسرارها في كل خطوة ولكن من الذي يبحث عن سر وجوده قبل أن يبحث سر العالَم؟؟