الحال يتغيّر... ولكن الحقيقة ثابتة وشاهدة على الحال...
أنا لا زلت كما أنا... الأنا الكونية الإلهية الممسوحة بروح الله هي الخالدة من الأبد إلى المدد مع الواحد الأحد...
وأنت أيها القارئ والكاتب والسّامع والغافل والنبيه لا تتغيّر.. إن الذي يتبدّل هو هذا الوجه أو هذه الأقنعة ولكن الإنسان هو نفس وذات وروح.. والروح هي الجوهرة الحيوية مع الحيّ القيوم... هي التي لا تتغير لا بالحياة ولا بالموت.. هذا السر الوحيد والمنفرد والمميّز هو حقيقة وجودنا ونسأل الناس كيف الحال؟
الأحوال تتغيّر كالطّقس والظروف والمواسم... هذا سؤال مملّ وزائل لأننا نتقبّل الطفولة والشبيبة والشيخوخة والولادة والموت ونتعانق مع هذا الباطل وهذا الحال وأنت لا علاقة لك بهذه الأحوال.
أنت الشّاهد عليها... أنت الثّابت مع الحيّ الأكبر...
لنتذكّر معاً.. بأن السرّ الذي في داخلنا يرافقنا منذ الأزل ولا يزول لا بالحال ولا بالعقل... أنت كالشّاهد على النهر... النهر ينهر والماء تجري والأحوال تتبدّل وكل ما تراه يتغيّر وأنت لا تزال مع الأزل كما كنت وستبقى مع البقاء الأبعد من أي فناء... ومن أي بُعد...
تعالوا نقف معاً على حافة النهر... غداً سوف لن نكون ولكن الكائن كائن حيّ لا يتغيّر ويبقى شاهداً على الأحوال التي تتغيّر وتتبدّل... الشّكل جديد، الهيئة والمظهر يتجدّد ومن الممكن أن لا تعرف نفسك... اسم جديد وهوية جديدة وثياب على الموضة ولكن الشاهد يبقى شاهداً لهذه المسرحية الدنيوية المادية الزائلة...
إن الشّاهد هو الخالد الأبدي والسرمدي والأزلي مع الخالق... إن السّاجد متصل مع المسجود بالسجود المددي... هذه هي الألوهية أو الوجودية أو أي صفة تحملها هي الجوهر الأساسي لوجودنا مع الوجود... الإنسان حيّ مع حيّ لا يموت... مولود غير مخلوق يساوي الأب في الجوهر... الأمواج تأتي وتذهب.. تتماوج مع الأمواج ولكن المحيط لا يتبدّل ولا يتحوّل.. لا تأخذه سنة ولا نوم...
إن التغيير كذبة مفتعلة من الفكر المحدود بالجهل وبالخوف والإنسان عدوّ ما يجهل ونتمسّك بهذا الجهل وهذا هو عالمنا... علينا أن نفهم بأن القمر والبدر والهلال يتبدّل بحساب من الله الثابت الكامل والشامل والتام... وإذا فهمنا هذه الحقيقة رأينا الحق في القدّيس وفي اللص... لأن كلّنا من روح الله والجوهر واحد... أنت مسيحي وهو يهودي وأنا مسلم ولكن كلنا متّصلين بحبل الله، واعتصموا بحبل الله... وحبل الله غير حبل المال أو حبل الدنيا... حبل الله هو الحبل السرّي الذي يصلنا بأسرار الله...
فإذاً نحن ساجدون في هذا الجسد... اختلفت اللغات ولكن الصّمت واحد... اختلفت الأواني ولكن المعاني من الواحد الأحد... وفي هذا السرّ يوجد كينونة أو وجود حيّ إسمه الشّاهد..
ولكلّ شاهد عملٌ ونشاط وحيوية مميزة وفريدة ولكن الذي يشهد ويشاهد على هذا الشّاهد هو الله الذي لا يتغيّر لأنه أبدي وسرمدي وأزلي في ثبات مستمر مدى الدّهر...
علينا أن نبحث عن هذا السرّ الأزلي الذي إسمه الدين... إن دين الله هو الإسلام وإسلام الله غير إسلام أهل الدنيا... إسلام الله هو الاستسلام إلى الخالق...
لتكن مشيئتك يا الله...
إلا بما شاء الله...
هو أعلم مني... وهو الأعلم من كل عليم...
علينا أن نسأل بعضنا البعض: "إنشالله ما تغيّرت!"
ولكن عالمنا هو غافل وجاهل لأننا انقلبنا رأساً على عقب.. تصرُّفنا سخيف ومخيف... حياتنا كلّها تفاهة ولأننا عبيد وأتباع العبيد أصبحنا كالقطيع الذي يُطيع ويستجيب خدمةً للجيب لا للحبيب...
الصَّحوة يا أهل الجلوة... معاً سنتذكّر أنفسنا... وسنعرف سبب وجودنا... أنظر إلى وجهك في المرآة، ماذا ترى؟
كلا!! لم ترَ نفسك ولا وجهك بل أقنعة مزيّفة لإرضاء الناس.. هؤلاء الحشود أو الجيفة النتنة هم أهل الفساد فهل أنا منهم؟؟
عندما تسمع إسمك... ماذا سمعت؟ اللقب؟ هذه خدعة لخدمة الجيب! هل أنت جيب أيها الحبيب؟
هل أعرف إسمي؟ وعلّم آدم الأسماء كلها!! ماذا تعلمت من إسمي؟ هذا إسم مستعار ومبتذل ويتبدّل... أتينا إلى الدنيا بدون أسماء ونرحل بدون أسماء...
إنتبه إلى الطّقوس في الدفن... ماذا يردّد الشيخ أو الكاهن؟؟
لا يذكر الإسم... بل يقول" وحّدوه" ، "إنّا لله وإنّا إليه راجعون"، "الله يرحمنا جميعاً"، "أنتم ورثة العمر على هذا الممرّ"... هذه مجاملات لطيفة نتمسّك بها... ولكن الموت عبرة لمن اعتبر..
لماذا لم يُذكر إسمه مع العلم بأنه كان في خدمة الإسم واللقب كل حياته..؟؟ والآن مات الإسم والجسم ومن التراب وإلى التراب...
ماذا قال أبو بكر بعد وفاة الحبيب؟
"من آمن بمحمّد، محمّد مات ومن آمن بالله، الله حيّ لا يموت..."
هذه أعظم وأهم وصيّة وصل بين الخًلق والخالق... لا وسيط بيني وبين الله.. محمّد الحقيقة حيّ ومحمّد التاريخ مات... جميع الأسماء تموت مع أجسادها ولكن إسم الله هو البداية وما قبلها وهو النهاية وما بعدها...
كلّنا في القبور ومن قبر إلى قبر على هذا الممر حتى نصل إلى المقرّ.. قول مأثور يقول:" لا تسأل لمن تُدَّق الأجراس.. إنها تُدَّق لنا جميعاً".. كلّ موكب دفن يذكّرني بساعة دفني, وكل جثّة تحرق على المحرقة تشعل النار في جسدي... لقد اقتربت الساعة فهل أنا قريب من هذه الساعة؟ بين كلّ نفس ونفس أحفر قبري فهل أنا على علم بهذه النعمة؟
أكبر إحراج في حياتنا هو أنّنا نتمسّك بالتغيير وآمنّا به ونحن له عابدون . . وتجاهلنا الحيّ الثابت الذي لا يتغيّر...
ولا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم...
من النفس اللوّامة إلى الراضية والمرضيّة والشفّافة.. ولكل طبقة طبقات من أسرار المعرفة ونحن عن الحقيقة جاهلون...
أنا لست حال ولا عقل ولا مقال... بل نفسي هي بداية وجودي وهي رحلة الحج إلى وجودي مع الوجود... وهذا هو الثبات واليقين... ويقيني يقيني من الجهل ومن الحال...
إن رحلة حياتنا هي حبّاً بالطّمع وبالجاه وهذا هو الطموح المطلوب والمرغوب وما هذا العدوّ إلا لخدمة السرعة الجارية في مستنقعات الدنيا... وأين نحن من القناعة الثابتة في جوهرنا والتي ترافقنا من المهد إلى اللحد؟
إنني أحاول أن أكون شيء آخر في هذه الدنيا وأشحد وأجاهد وأجمد ولسوء الحظ لم أجد هذه الشخصية التي أرضى بها، بل من محنة إلى محنة ومن بلوة إلى بلوة وأين هو البلاغ والبلوغ؟
مهما حاولت وجاهدت سأبقى ما أنا عليه... الأمانة الأمينة لا تتغيّر ولا تتبدّل لنتعرف عليها وهذه هي الجوهرة الأساسية التي من الله ومعه وبه نحيا للأبد...
لماذا السّفر إلى البعيد وهو الأقرب إلينا من حبل الوريد... إعرف نفسك تعرف العالم والمعلوم وترضى بالتسليم إلى أعلم العالمين...
عندما أدرك بأنني خليفة الله أو محمدا أو مسيحاً آخر وصلت إلى الصلة.. إلى الحلقة المفقودة وهذه هي الثروة والثورة المطلوبة.. هي درجة الألوهية السّاكنة في جميع خلق الخالق. لقد وصلت إلى باب المسجد و المعبد والهيكل وهذا هو دار القرار حيث لا ولادة ولا موت ولا تبديل ولا تغيير بل شهادة حيّة مع الأحياء... هذه هي الجنّة السّاكنة في سكينة لبّ القلب حيث الرّحمة والهدوء.. لا شغب ولا فوضى ولا اضطرابات ولا أمواج بل موسيقى سماوية إسمها الصمدية أي تحقيق إدراك النفس.. أن تصبح هذا الفراغ، أي أن تكون هذا المقام الملائم، ألا وهي الحقيقة الأزليّة مع الله الأزلي...
لا تغيّروا في خلق الله... ليس جسدياً فحسب بل نفسيّاً... إقبل نفسك كما أنت هو أدرى مني بحالي وأغنى من سؤالي.. خلقني على صورته ومثاله وهو الجمال والجلال وأين أنا من هذا الحلال؟...
ساعدني لأتعرّف على نفسي وهذه نعمة الوجود وكل ما نبنيه هو بيوت من عنكبوت وما زلنا حفاة عراة نتطاول في البنيان وفي الأبراج، ومع هبّة ريح ستسقط هذه القصور الرملية وتنهار الأحلام والأوهام وكل من عليها فان أيها الإنسان!!!
هل تستطيع أن تخُطّ أي خطّ في المحيط؟ أو تكتب أي سطر على النهر؟ سيختفي قبل أن تبدأ بالنفي ومع ذلك نبْني ونبْني، وأين هو البنيان أيها الإنسان؟ أين هو العدل والميزان؟ أين هو البيان الساكن في سكينة الأديان والأبدان؟ لماذا هذا الجهل وهذا الغباء؟ لماذا لا نتعلّم من الألم؟ لماذا نكرّر الأخطاء وكأننا خُلقنا لنرتكب الأخطاء!!
الغلطة الأولى للإختبار ولكن التكرار لا يعلّم الحمير... منذ أجيال وأجيال ونحن في هذا المسار.. ندور في حلقة مفرغة من الضّياع ولا نزال في هذا الذل والهوان، وإلى متى سنبقى عميان؟ في الدنيا أعمى وفي الآخرة أعمى وأضل سبيلا، وأين هو الحل؟
عندما تعرف نفسك وتتأكد من وجودك سوف لن ترى التغيير بل الثّبات في الجذور والعطور ... وما هذا الحيّ إلا الحيويّة الأبديّة الشّاهدة على الحقيقة الصمديّة...