الإنسان مظهر الجمال والجلال:
أماّ الإنسان فهو مظهر للجمال والجلال معاً وذلك لوجود الجانبين فيه ومن هنا نعلم السرّ في التعبير القرآني حيث يقول سبحانه مخاطباً لإبليس:
(..مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ..)(ص/75).
دون الملائكة ولاختصاصه بالعشق دون الجن.
قال الإمام قدِّس سرُّه:
(فهو تعالى بحسب مقام الإلهية مستجمع للصفات المتقابلة كالرحمة والغضب، و البطون والظهور، و الأوّليَّة والآخريّة ، و السخط والرضا، وخليفته لقربه إليه ودنّوه بعالم الوحدة والبساطة مخلوق بيدي اللطف والقهر وهو مستجمع للصفات المتقابلة كحضرة المستخلف عنه . ولهذا اعترض على إبليس بقوله تعالى: (..مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ..)(ص/75). مع أنّك مخلوق بيد واحدة . فكل صفة متعلق باللطف فهي صفة الجمال ، وكل ما يتعلق بالقهر فهو من صفة الجلال . فظهور العالم ونورانيّته وبهائه من الجمال وانقهاره تحت سطوع نوره وسلطة كبريائه من الجلال وظهور الجلال بالجمال واختفاء الجمال بالجلال جمالك في كل الحقايق ساير وليس له إلاّ جلالك ساتر)
ثمَّ: إنَّ إمامنا له بيان آخر أدقّ مما ذكرناه قد بيَّنه في كتابه مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية
قال:
(نور: لعلّ الأمانة المعروضة على السموات و الأرض والجبال التي أبَينَ عن حملها و حمَلَها الإنسان الظلومُ الجهول هي هذا المقام الإطلاقي فإن السموات و الأرضيين و ما فيهن حدودات مقيدات حتى الأرواح الكلية و من شأن المقيَّد أن يأبى عن الحقيقة الإطلاقية . و الأمانة هي ظلّ الله المطلق وظّل المطلق مطلق يأبى كل متعين عن حملها و أما الإنسان بمقام الظلوميّة التي هي التجاوز عن قاطبة الحدودات و التخطي عن كافّة التعيَينات و اللاَّ مقامى المشار إليه بقوله تعالى شأنه على ما قيل: (يا أهل يثرب لا مقام لكم) والجهولية التي هي الفناء عن الفناء قابل لحملها فحملها بحقيقتها الإطلاقية حين وصوله إلى مقام قاب قوسين و تفكَر في قوله تعالى : ( أو أدنى ) و اطفِ السراج فقد طلع الصبح).
أقول:
إنَّ الفناء عن الفناء من المراتب الراقية للإنسان حيث لا يتوجَّه الإنسان إلى نفسِه أصلاً (بل هو فانٍ في الله) و لا يتوجَّه إلى عدم توجُّهه و فنائه ( لأنَّ التوجُّه إلى الفناء هو نوعٌ من الأنانيَّة ) .
قال مولانا جلال الدين الرومي:
(در خدا كُم شَو كمال اينست وبس كُم شدن كُم كُن وصال اينست)
افن في الله فهو الكمال ليس إلاّ و افن في فنائك فهو الوصال ليس إلاّ.